News Ticker

Menu

القراءة وثقافة الشعوب

 


في عجالة من الزمن، هل يمكن تصور أن أمتنا، التي أولى آيات الوحي التي أُنزلت عليها كانت "اقرأ"، تشهد اليوم نسبة أمية تبلغ 40% من سكانها؟ أليس هذا أمراً مروعاً في ظل القرن الواحد والعشرين؟ على النقيض من ذلك، نجد أن اليابان، التي احتفلت منذ عقود بتوديع آخر حالات الأمية بين أبنائها، لا تعترف الأمية فيها إلا بنسبة ضئيلة تكاد تكون منعدمة، مما يجعل وجود أمي فيها يُعد كارثة بحد ذاتها.


إن الاختلاف بين العالمين لا يقتصر على هذا الجانب فحسب، بل يمتد ليشمل الثقافة المادية والفكرية التي تتجلى في بساطة الأمور كآلات البيع الذاتي. ففي أرجاء الوطن العربي، تجد هذه الآلات تقتصر على تقديم المشروبات والوجبات الخفيفة، بينما في اليابان، تتخذ هذه الآلات شكلاً مغايراً تماماً، حيث يمكن للفرد أن يقتني كتاباً يختاره من بين مجموعة واسعة تتاح له عبر آلات بيع مخصصة لهذا الغرض، مما يعكس القيمة الكبيرة التي يُعليها اليابانيون للقراءة والمعرفة.


تتجسد هذه الثقافة أيضاً في المكتبات الضخمة التي تزخر بها اليابان، والتي تضم ملايين العناوين في شتى المجالات، من الروايات إلى كتب الأطفال والمانغا، تلك الكتب المصورة التي اشتهر بها اليابانيون عالمياً والتي تحمل في طياتها عوالم من الإبداع الفني والحكايات الملهمة.


إن الوقوف على هذا الفارق الشاسع في النهج نحو القراءة والتعليم بيننا وبين اليابان يدعونا للتأمل والسعي نحو إحداث تغيير جذري في مجتمعاتنا. يجب على المسؤولين والناشرين في عالمنا العربي النظر بعين الاعتبار إلى تجربة اليابان والاستفادة منها لإثراء المحتوى التعليمي والثقافي المقدم لأطفالنا وشبابنا، بحيث يشمل ذلك تقديم محتوى جذاب وملهم يعزز من قيمة القراءة والمعرفة.


لقد آن الأوان لنا كأمة تنهل من معين العلم والمعرفة، أن نعيد النظر في مناهجنا التعليمية والثقافية، مستلهمين من تجارب الأمم التي نجحت في تحقيق نهضة معرفية شاملة. يجب علينا أن نسعى جاهدين لإدماج طرق تعليمية مبتكرة ومحفزة تساعد على تنمية حب القراءة والاستطلاع لدى النشء، مثل تلك التي تُستخدم في اليابان، حيث الكتب ليست مجرد مصادر للمعلومات، بل هي أدوات لبناء الشخصية وتنمية الإبداع.


من المهم أن نشجع على ترجمة ونشر الأعمال الأدبية والعلمية اليابانية وغيرها من الأعمال العالمية، لإثراء المكتبة العربية وفتح آفاق جديدة أمام القارئ العربي. يجب أن نركز كذلك على إنتاج محتوى تعليمي وثقافي يراعي الجوانب البصرية والتفاعلية، والذي من شأنه أن يجذب انتباه الأجيال الجديدة ويحفزهم على الاستزادة من العلم والمعرفة.


إن التوسع في استخدام التكنولوجيا في التعليم والتعلم، من خلال المنصات الإلكترونية والتطبيقات التعليمية، يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في تحقيق هذه الأهداف. كما ينبغي لنا تعزيز دور المكتبات العامة والمراكز الثقافية كفضاءات للتعلم والتبادل الفكري والإبداعي.


في ختام المطاف، يجب أن نستلهم من دعوة "اقرأ"، التي تشكل جوهر حضارتنا وثقافتنا، لتجديد التزامنا بالتعليم والمعرفة كأسس لتقدم الأمم وازدهارها. ليس هناك شك في أن الطريق إلى النهضة والتطور يبدأ بكلمة واحدة: اقرأ. وعليه، فإن العمل على نشر ثقافة القراءة والمعرفة يجب أن يكون في صميم جهودنا نحو بناء مستقبل مشرق لأمتنا.

Share This:

Post Tags:

Jillur Rahman

I'm Jillur Rahman. A full time web designer. I enjoy to make modern template. I love create blogger template and write about web design, blogger. Now I'm working with Themeforest. You can buy our templates from Themeforest.

No Comment to " القراءة وثقافة الشعوب "

  • To add an Emoticons Show Icons
  • To add code Use [pre]code here[/pre]
  • To add an Image Use [img]IMAGE-URL-HERE[/img]
  • To add Youtube video just paste a video link like http://www.youtube.com/watch?v=0x_gnfpL3RM